فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله: {سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ} الآية: خرّج البخاري عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشَتَّمني ولم يكن له ذلك فأمّا تكذيبه إياي فزَعَم أني لا أقدِر أن أعيده كما كان وأمّا شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا». اهـ.

.قال الألوسي:

{بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض} إبطال لما زعموه وإضراب عما تقتضيه مقالتهم الباطلة من التشبيه بالمحدثات في التناسل والتوالد، والحاجة إلى الولد في القيام بما يحتاج الوالد إليه، وسرعة الفناء لأنه لازم للتركيب اللازم للحاجة، وكل محقق قريب سريع، ولإن الحكمة في التوالد هو أن يبقى النوع محفوظًا بتوارد الأمثال فيما لا سبيل إلى بقاء الشخص بعينه مدة بقاء الدهر، وكل ذلك يمتنع على الله تعالى فإنه الأبدي الدائم والغنى المطلق المنزع عن مشابهة المخلوقات، واللام في {لَهُ} قيل للملك، وقيل: إنها كالتي في قولك لزيد ضرب تفيد نسبة الأثر إلى المؤثر، وقيل: للاختصاص بأي وجه كان، وهو الأظهر، والمعنى ليس الأمر كما افتروا بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها ما زعموه ولدًا، والخالق لكل موجود لا حاجة له إلى الولد إذ هو يوجد ما يشاء منزهًا عن الاحتياج إلى التوالد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {بل له ما في السماوات والأرض} إضراب عن قولهم لإبطاله، وأقام الدليل على الإبطال بقوله: {له ما في السماوات والأرض} فالجملة استئناف ابتدائي وَاللام للملك و{ما في السماوات والأرض} أي ما هو موجود فإن السماوات والأرض هي مجموع العوالم العلوية والسفلية.
و{ما} من صيغ العموم تقع على العاقل وغيره وعلى المجموع وهذا هو الأصح الذي ذهب إليه في المفصل واختاره الرضي.
وقيل: {ما} تَغْلِب أو تختص بغير العقلاء ومَنْ تختص بالعقلاء وربما استعمل كل منهما في الآخر وهذا هو المشتهر بين النحاة وإن كان ضعيفًا وعليه فهم يجيبون على نحو هاته الآية بأنها من قبيل التغليب تنزيلًا للعقلاء في كونهم من صنع الله بمنزلة مساويةٍ لغيره من بقية الموجودات تصغيرًا لشأن كل موجود. اهـ.

.قال القرطبي:

لا يكون الولد إلا من جنس الوالد، فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولدًا من مخلوقاته وهو لا يشبهه شيء؛ وقد قال: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] كما قال هنا: {بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض} فالولدية تقتضي الجنسية والحدوث، والقدم يقتضي الوحدانية والثبوت؛ فهو سبحانه القديم الأزلي الواحد الأحد، الفَرْد الصَّمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ.
ثم إن البنوّة تنافي الرّق والعبودية على ما يأتي بيانه في سورة مريم إن شاء الله تعالى فكيف يكون ولد عبدا! هذا محال، وما أدّى إلى المحال محال. اهـ.

.قال الفخر:

القنوت: أصله الدوام، ثم يستعمل على أربعة أوجه: الطاعة، كقوله تعالى: {يا مريم اقنتى لِرَبّكِ} [آل عمران: 43] وطول القيام، كقوله عليه السلام لما سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» وبمعنى السكوت، كما قال زيد ابن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين} [البقرة: 238] فأمسكنا عن الكلام، ويكون بمعنى الدوام، إذا عرفت هذا فنقول: قال بعض المفسرين: {كُلٌّ لَّهُ قانتون} أي كل ما في السموات والأرض قانتون مطيعون، والتنوين في كل عوض عن المضاف إليه وهو قول مجاهد وابن عباس، فقيل لهؤلاء الكفار: ليسوا مطيعين، فعند هذا قال آخرون: المعنى أنهم يطيعون يوم القيامة، وهو قول السدي، فقيل لهؤلاء: هذه صفة المكلفين، وقوله: {لَّهُ مَا فِي السموات} يتناول من لا يكون مكلفًا فعند هذا فسروا القنوت بوجوه أخر.
الأول: بكونها شاهدة على وجود الخالق سبحانه بما فيها من آثار الصنعة وأمارات الحدوث والدلالة على الربوبية.
الثاني: كون جميعها في ملكه وقهره يتصرف فيها كيف يشاء، وهو قول أبي مسلم، وعلى هذين الوجهين الآية عامة.
الثالث: أراد به الملائكة وعزيرًا والمسيح، أي كل من هؤلاء الذين حكموا عليهم بالولد أنهم قانتون له، يحكى عن علي بن أبي طالب قال لبعض النصارى: لولا تمرد عيسى عن عبادة الله لصرت على دينه، فقال النصراني: كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى مع جده في طاعة الله، فقال علي رضي الله عنه: فإن كان عيسى إلهًا فالإله كيف يعبد غيره إنما العبد هو الذي يليق به العبادة، فانقطع النصراني. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} ابتداء وخبر، والتقدير كلهم، ثم حذف الهاء والميم.
{قَانِتُونَ} أي مطيعون وخاضعون؛ فالمخلوقات كلها تَقْنُت لله، أي تخضع وتطيع.
والجمادات قُنُوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم.
فالقنوت الطاعة، والقنوت السكوت؛ ومنه قول زيد بن أرْقَم: كنا نتكلّم في الصلاة، يُكَلِّم الرجل صاحبَه إلى جنبه حتى نزلت: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام.
والقنوت: الصلاة؛ قال الشاعر:
قانِتًا لله يَتْلُو كُتُبَه ** وعلى عمد من الناس اعتزل

وقال السُّدّى وغيره في قوله: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} أي يوم القيامة.
الحسن: كل قائم بالشهادة أنه عبده.
والقنوت في اللغة أصله القيام؛ ومنه الحديث: «أفضل الصلاة طول القنوت» قاله الزجاج.
فالخلق قانتون؛ أي قائمون بالعبودية إمّا إقرارًا وإمّا أن يكونوا على خلاف ذلك؛ فأثر الصنعة بيِّنٌ عليهم.
وقيل: أصله الطاعة؛ ومنه قوله تعالى: {والقانتين والقانتات} [الأحزاب: 35].
وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله تعالى، {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{كلّ له قانتون} أي: منقادون كلّ بما يراد منه لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه وفي ذلك تغليب للعاقل لشرفه والآية مشعرة على فساد ما قالوه من ثلاثة أوجه الأول: قوله: سبحانه والثاني: قوله: بل له ما في السموات والأرض والثالث: كل له قانتون واحتج بها الفقهاء على أنّ من ملك ولده عتق عليه؛ لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك وذلك يقتضي تنافيهما. اهـ.

.قال الألوسي:

{كُلٌّ لَّهُ قانتون} أي كل ما فيهما كائنًا ما كان جميعًا منقادون له لا يستعصي شيء منهم على مشيئته وتكوينه إيجادًا وإعدامًا وتغيرًا من حال إلى حال، وهذا يستلزم الحدوث والإمكان المنافي للوجوب الذاتي فكل من كان متصفًا بهذه الصفة لا يكون والدًا لأن من حق الولد أن يشارك والده في الجنس لكونه بعضًا منه، وإن لم يماثله، وكان الظاهر كلمة من مع {قانتون} كيلا يلزم اعتبار التغليب فيه، ويكون موافقًا لسوق الكلام فإن الكلام في العزير والمسيح والملائكة وهم عقلاء إلا أنه جاء بكلمة ما المختصة بغير أولي العلم كما قاله بعضهم محتجًا بقصة الزبعري مخالفًا لما عليه الرضى من أنها في الغالب لما لا يعلم، ولما عليه الأكثرون من عمومها كما في التلويح، واعتبر التغليب في {قانتون} إشارة إلى أن هؤلاء الذين جعلوهم ولد الله تعالى سبحانه وتعالى في جنب عظمته جمادات مستوية الأقدام معها في عدم الصلاحية لاتخاذ الولد، وقيل: أتى بما في الأول لأنه إشارة إلى مقام الألوهية، والعقلاء فيه بمنزلة الجمادات، وبجمع العقلاء في الثاني لأنه إشارة إلى مقام العبودية، والجمادات فيه بمنزلة العقلاء.
ويحتمل أن يقدر المضاف إليه كل ما جعلوه ولدًا لدلالة المقول لا عامًا لدلالة مبطله، ويراد بالقنوت الانقياد لأمر التكليف كما أنه على العموم الانقياد لأمر التكوين، وحينئذ لا تغلب في {قانتون} وتكون الجملة إلزامًا بأن ما زعموه ولدًا مطيع لله تعالى مقر بعبوديته بعد إقامة الحجة عليهم بما سبق، وترك العطف للتنبيه على استقلال كل منهما في الدلالة على الفساد واختلافهما في كون أحدهما حجة والآخر إلزامًا، وعلى الأول يكون الأخير مقررًا لما قبله، وذكر الجصاص أن في هذه الآية دلالة على أن ملك الإنسان لا يبقى على ولده لأنه نفى الولد باثبات الملك باعتبار أن اللام له فمتى ملك ولده عتق عليه، وقد حكم صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في الوالد إذا ملكه ولده؛ ولا يخفى أن هذا بعيد عما قصد بالآية لاسيما إذا كان الأظهر الاختصاص كما علمت. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والقنوت الخضوع والانقياد مع خوف وإنما جاء {قانتون} بجمع المذكر السالم المختص بالعقلاء تغليبًا لأنهم أهل القنوت عن إرادة وبصيرة.
والمضاف إليه المحذوف بعد كلّ دلّ عليه قوله: {ما في السماوات والأرض} أي كل ما في السماوات والأرض أي العقلاء له قانتون وتنوين كل تنوين عوض عن المضاف إليه وسيأتي بيانه عند قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: 148] في هذه السورة.
وفي قوله: {له قانتون} حجة ثالثة على انتفاء الولد لأن الخضوع من شعار العبيد أما الولد فله إدلال على الوالد وإنما يبرُّ به ولا يقنت، فكان إثبات القنوت كناية عن انتفاء الولدية بانتفاء لازمها لثبوت مُساوي نقيضه ومُساوي النقيض نقيضٌ وإثبات النقيض يستلزم نفي ما هو نقيض له.
وفصل جملة {كل له قانتون} لقصد استقلالها بالاستدلال حتى لا يظن السامع أنها مكملة للدليل المسوق له قوله: {له ما في السماوات والأرض}.
وقد استدل بها بعض الفقهاء على أن من ملك ولده أُعتق عليه لأن الله تعالى جعل نفي الولدية بإثبات العبودية فدل ذلك على تنافي الماهيتين وهو استرواح حسن. اهـ.

.قال الفخر:

لما كان القنوت في أصل اللغة عبارة عن الدوام كان معنى الآية أن دوام الممكنات وبقاءها به سبحانه ولأجله وهذا يقتضي أن العالم حال بقائه واستمراره محتاج إليه سبحانه وتعالى، فثبت أن الممكن يقتضي أن لا تنقطع حاجته عن المؤثر لا حال حدوثه ولا حال بقائه. اهـ.

.قال الجصاص:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَبْقَى عَلَى وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْوَلَدَ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَعْنِي مُلْكَهُ وَلَيْسَ بِوَلَدِهِ؛ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِتْقَ وَلَدِهِ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْوَالِدِ إذَا مَلَكَهُ وَلَدُهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى عِتْقِ الْوَلَدِ إذَا مَلَكه أَبُوهُ، وَاقْتَضَى خَبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتْقَ الْوَالِدِ إذَا مَلَكَهُ وَلَدُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: إذَا مَلَكَ أَبَاهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتِقَهُ لِقوله: «فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» وَهَذَا يَقْتَضِي عِتْقًا مُسْتَأْنَفًا بَعْدَ الْمِلْكِ فَجُهِلَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ بِالشِّرَى؛ إذْ قَدْ أَفَادَ أَنَّ شِرَاهُ مُوجِبٌ لِعِتْقِهِ؛ وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ غَادِيَانِ: فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا، وَمُشْتَرٍ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا» يُرِيدُ أَنَّهُ مُعْتِقُهَا بِالشِّرَى لَا بِاسْتِئْنَافِ عِتْقٍ بَعْدَهُ. اهـ.

.قال الفخر:

يقال كيف جاء بما الذي لغير أولي العلم مع قوله: {قانتون} جوابه: كأنه جاء بما دون من تحقيرًا لشأنهم. اهـ.
سؤال: فإن قيل: كيف عمَّ بهذا القول وكثير من الخلق ليس له بمطيع؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن يكون ظاهرها ظاهر العموم، ومعناها معنى الخصوص.
والمعنى: كل أهل الطاعة له قانتون.
والثاني: أن الكفار تسجد ظلالهم لله بالغدوات والعشيات، فنسب القنوت إليهم بذلك.
والثالث: أن كل مخلوق قانت له بأثر صنعه فيه، وجري أحكامه عليه، فذلك دليل على ذله للرب.
ذكرهن ابن الأنباري. اهـ.

.قال السعدي:

والقنوت نوعان: قنوت عام: وهو قنوت الخلق كلهم، تحت تدبير الخالق، وخاص: وهو قنوت العبادة.
فالنوع الأول كما في هذه الآية، والنوع الثاني: كما في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. اهـ.

.قال القاسمي:

قال الراغب في تفسيره: نبه على أقوى حجة على نفي ذلك، وبيانها: هو أن لكل موجود في العالم، مخلوقًا طبيعيًا، أو معمولًا صناعيًا، غرضًا وكمالًا أوجد لأجله، وإن كان قد يصلح لغيره على سبيل الغرض، كاليد للبطش، والرجل للمشي، والسكين لقطع مخصوص، والمنشار للنشر، وإن كانت اليد قد تصلح للمشي في حال، والرجل للتناول، لكن ليس على التمام. والغرض في الولد للإنسان إنما هو لأن يبقى به نوعه، وجزء منه لما لم يجعل الله له سبيلًا إلى بقائه بشخصه، فجعل له بذرًا لحفظ نوعه، ويقوى ذلك، أنه لم يجعل للشمس والقمر وسائر الأجرام السماوية بذرًا واستخلافًا، ولم يجعل لها فناء النبات والحيوان، ولما كان الله تعالى هو الباقي الدائم، بلا ابتداء ولا انتهاء، لم يكن لاتخاذه الولد لنفسه معنى. ولهذا قال: {سبحانه أن يكون له ولد} [النساء: 171] أي: هو منزه عن السبب المقتضي للولد. ثم لما كان اقتناء الولد لفقر ما، وذلك لما تقدم، أن الإنسان افتقر إلى نسل يخلفه لكونه غير كامل إلى نفسه- بين تعالى بقوله: {له ما في السموات والأرض} أنه لا يتوهم له فقر، فيحتاج إلى اتخاذ ما هو سد لفقره، فصار في قوله: {له ما في السموات والأرض} دلالة ثانية، ثم زاد حجة بقوله: {قانتون} وهو أنه لما كان الولد يعتقد فيه خدمة الأب ومظاهرته كما قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} [النحل: 72] بين أن كل ما في السموات والأرض، مع كونه ملكًا له، قانت أيضًا، إما طائعًا، وإما كارهًا، وإما مسخرًا، كقوله ولله {يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا} [الرعد: 15]، وقوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44] وهذا أبلغ حجة لمن هو على المحجة. اهـ.